تشير القراءات إلى ان نقص المياه في الشرق الأوسط سيتصدر أكثر المشكلات حدة مستقبلا، فيما يبدو أنه سيكون السبب في اندلاع النزاعات على مختلف المستويات، الثنائية والإقليمية والدولية. وإذا لم يتم العثور على حل للمشكلة، فمن المتوقع تنامي توتر العلاقات واحتمالات النزاعات على الأقل بين مصر والسودان وسوريا وإسرائيل وسوريا وتركيا والعراق والسعودية واليمن والسعودية والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية والأردن وإسرائيل.
الأكثر تضررا
ووفق المعهد الدولي لإدارة الثروة المائية فإن 13 دولة شرق أوسطية ستعاني قريبا من أزمة نقص المياه. وان بلدان دول الخليج العربية، بما فيها عُمان والكويت وقطر والإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية ستواجه المشاكل الأكثر حدة في أزمة المياه. وتوصل خبراء المعهد إلى النتائج غير السارة بالنسبة لتلك الدول بعد قياسهم للاحتياطات المائية لدى مختلف الدول، ودراسة استراتيجية كل منها في استعمالها. وأظهرت تلك الدراسات ان دول الشرق الأوسط تتعامل بلا مسؤولية مع الثروة المائية. وتقوم دول الخليج والسلطة الوطنية الفلسطينية وغيرها بتفريغ آخر قطرة من المياه الجوفية وتحلية كميات كبيرة من مياه البحر. ويرى الخبراء ان التبذير في استخدام المياه الجوفية سيكون في المستقبل أحد أسـباب أزمة الـغـذاء في الشــرق الأوـسط. فلن تتمــكن تلك الدول من إنتــاج المحـــاصيل الزراعية الكافية بسبب نقــص المـياه الصـالحة. ووفـقــا للمـعــطيات المــتــوفرة فإن الطـــلب على الماء في السعودية وقطر سيزداد في 2020 لمرتين وثلاث مرات على التوالي، مقارنة بعام 2000.
ان شح المياه ناجم كذلك عن تلوث الأنهار في المدن الكبرى وفي المناطق الريفية التي تستخدم فيها الأسمدة المعدنية. ويتعلق الأمر أيضا بالمياه الجوفية التي يؤدي استغلالها بإفراط، كما في ليبيا وقطاع غزة مثلا، إلى إتلاف الموارد المائية التي لا تعوض بعد أن تراكمت هناك خلال التاريخ. ويلعب المستوى التكنولوجي المنخفض لاستخدام المياه في الأماكن التي تعاني من مشكلة نقصها في المنطقة، دوره أيضا بما يقود إلى وقوع خسائر فادحة بسبب التسرب والتبخر. ونتيجة لذلك أصبح الشرق الأوسط بأسره من المناطق الأكثر إشكالية في العالم من حيث الثروة المائية.
وتشعر المنطقة بمشكلة نقص الميادة بشكل أكثر حدة، على الأخص البلدان التي يتنامى فيها السكان بسرعة كالصومال واليمن وأفغانستان والمناطق الصحراوية من السودان.وترى دراسة نشرت بالروسية إن سلسلة سدود «النهضة» التي بدأت أثيوبيا في تشييدها على النيل الأزرق في عام 2013 وستنجزها في عام 2017 تعتبر كارثة بالنسبة إلى مصر، إذ ستحصل مصر على كمية من المياه أقل بمقدار الثلث، وسيتقلص توليد الطاقة الكهربائية فيها بنسبة 40٪.. وترى دراسة أخرى أنه: «لا تتوفر أي فرص للحفاظ بلا مساس على اتفاقية تقاسم مياه النيل الموقعة في أعوام الخمسينيات تحت رعاية الإنكليز، والتي تنص على تقاسم غالبية كمية مياه النهر بين السودان ومصر».
كما وقعت دول أعالي النيل على معاهدة تعتبر من وجهة النظر الدولية مشروعة تماما، وتنوي هذه الدول استخدام مواردها المائية من أجل تطوير اقتصادياتها، علما أن عدد سكان بلدان أعالي النيل أكثر من عددهم في مصر والسودان، وهي تعاني من عجز بالطاقة الكهربائية والمياه العذبة. فهل توجد مشاريع بديلة للتزود بالمياه في بلدان الشرق الأوسط؟ القضية ممكنة فقط بوجود التكنولوجيات العالية التي تتطلب اقتصادا متطورا. إضافة إلى تكنولوجيات التحلية الذرية التي تتطلب وجود محطات كهروذرية، ولكن لا يمكن تشييدها في مناطق وجود مخاطر سياسية وعسكرية كبيرة. وهناك محطات تحلية المياه العاملة بالوقود الهيدروكربوني، لكن لا يمكن تشييدها إلا في البلدان التي تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز. وثمة رأي يقول انه لا يوجد حتى الآن أي مخرج  واقعي من وضع شح المياه في الشرق الأوسط ـ كما لا يوجد بديل عن تقاسم موارد مياه الأنهر الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في المنطقة والمياه الجوفية فيها، وفي النتيجة تغدو المنطقة على شفير اندلاع نزاعات بسبب المياه.
حلول ومقترحات
قدم الباحث العراقي في شؤون الطاقة والتغيرات في منطقة الشرق الأوسط الدكتور بشير الناشئ المقيم في موسكو ورقة أشار فيها إلى ان معظم المشاكل السياسية والاجتماعية التي ستحصل في الشرق الأوسط على مدى السنوات العشرين المقبلة لن تكون بسبب الحروب أو الإرهاب وحسب، وانما بسبب نقص المياه الصالحة للشرب أو للزراعة أيضا. فالمياه هي السبب الحقيقي والفعلي للتغيرات الحاصلة في سياسات الشرق الأوسط. وكانت الدراسات المعمقة للاحتياجات المائية للمنطقة تتركز في أساسها على الموارد النهرية من المياه. هذا الأمر يجعل من تقاسم مياه الأنهار سببا واقعيا لإندلاع الحروب فيما بين الدول المتجاورة. غير ان تواجد المياه الجوفية إلى جانب الأنهار لدى هذه الدول يجعل من حدوث النزاعات العسكرية فيما بينها أمرا غير موضوعي في هذه اللحظة.
ولقد أصبح من المفهوم اليوم ان هناك حاجة ماسة لتوفير المياه الكافية لأجل الزراعة. وعمدت الحكومات المختلفة إلى دراسة السبل والوسائل الضرورية لتوفير الكفاية من المياه النهرية أو الجوفية التي قد تشح بمرور الوقت بسبب الاستخدام المكثف. فشحة المياه الكافية للزراعة تؤدي في النتيجة إلى هجرة العوائل الفلاحية من ديارها نحو المدن، الأمر الذي يزيد من ازدحام المدن ونقص الأيدي العاملة في مجال الزراعة.
ان حل مثل هذه المشاكل قد يكمن في استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في مجال تحلية مياه البحر أو إعادة تنقية المياه المستعملة، غير ان ذلك يتطلب صرف مبالغ طائلة قد لا تتحملها ميزانيات الكثير من الدول ذات المصلحة.
ويؤكد الدكتور بشير الناشئ ان مشاكل النقص في المياه الصالحة للشرب أو للزراعة هي اليوم قائمة وتحتاج إلى حلول سريعة، ويطرح بعض الحلول لتحسين الثروة المائية في جزء من المنطقة وتقوم على: 
1- في أماكن مصبات نهر النيل في البحر الأبيض المتوسط يتم إنشاء أحواض خاصة لتجميع المياه؛ 
2 ـ عند هذه الأحواض يجري مد أنابيب كبيرة السعة بين مصب النيل ومصادر مياه الأردن ؛ 
3- إنشاء مضخات مائية كبيرة الطاقة لتحويل المياه المخزونة من الأحواض إلى الأنابيب في اتجاه الأردن؛ 
4- لكي لا يتم الاعتماد بالكامل في تشغيل محطات الضخ المائي على امكانيات مصر، ينبغي إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل بقوة الريح التي تتوفر بالكمية المطلوبة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ؛ 
5- يتم مد أنابيب نقل المياه إلى الأردن وإسرائيل  في أعماق البحر بحيث لا تؤثر سلبيا على الملاحة في المنطقة؛
6 ـ عند مصب أنابيب نقل المياه في الأردن، أو أي منطقة أخرى، يتم إنشاء سد خاص لإقامة محطة كهرومائية تعمل بالطاقة المتوفرة من تدفق المياه المنقولة. المحطة المعنية تعمل على توفير الطاقة الكهربائية للمنطقة ولسد احتياجات ما يلزم لنقل المياه؛ 
7- إنشاء شبكة أنابيب لتوزيع المياه المنقولة في المنطقة واشراك الدول ذات الحاجة فيها؛ 
8- الدولة المصرية ستكون المستفيدة أيضا في النتيجة من خلال بيعها لمياه النيل؛
 9- سيزول عمليا الداعي للتشنجات والأسباب المؤدية إلى التوتر العدواني بين دول المنطقة. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
IconArabya الأيقونة العربية © جميع الحقوق محفوظة